
«مصر رايحة على فين».. سؤال مازال مطروحًا بالرغم من مرور أكثر من عامين على ثورة يناير، وهو نفس السؤال الذى ظل مطروحا قبل رحيل مبارك، واستمر طوال مرحلة انتقالية تحت إدارة المجلس العسكرى، شهدت مصادمات وأخطاء، وصراعات، وما يزال مستمرًا بعد تسلم الرئيس مرسى للسلطة فى أول انتخابات بعد الثورة، هناك حالة صدام وخصام بين السلطة ممثلة فى الرئيس وحزب الحرية والعدالة وجماعة الإخوان من جهة، وبين المعارضة ممثلة فى جبهة الإنقاذ والأحزاب من جهة أخرى، وامتد الانقطاع إلى حزب النور الذى كان قريبًا وحليفًا للإخوان، هناك اتهامات للرئيس بالتملص من عهوده، واتهامات للمعارضة برفض أى حوار، والنتيجة انسداد سياسى، وطرق مسدودة، تنتهى بمظاهرات ومصادمات واتهامات متبادلة، والنتيجة أزمة.
لدينا أزمة فى الأمن، وفى الاقتصاد، وفى الإعلام، والقضاء، تكشف عن أزمة سياسية، تتمثل فى غياب التواصل والمبادرة، وتصل إلى التصادم والطرق بلا رجعة، هذه الأزمات التى تتصاعد كل يوم، والأفق الذى يبدو بلا مخرج. الأمر كله يبدأ وينتهى عند السياسة ومدى القدرة على طرح مبادرات ومد خيوط مع المعارضة وفتح أبواب أوسع لحوارات سياسية تنتهى إلى حل، بدلا من الطريق المسدود.
الأمن.. عصا «مبارك» فى يد «مرسى».. الانفلات أبرز مظاهر فترة ما بعد الثورة.. ونظام مرسى يعجز عن طرح رؤية حقيقية لإصلاح الملف الأمنى
عامان مرا على قيام الثورة ونجاحها فى إسقاط رأس النظام السابق حسنى مبارك ورموز حكمه ليصل الجميع بعدها إلى نتيجة بدا أن هناك ما يشبه الإجماع حولها وهى أن ما سقط هو رأس النظام لا جسده.. فى قلب المشهد المصرى على مدار العامين يبدو «الانفلات الأمنى» قاسما مشتركا فى الأحداث على مختلف المستويات «سياسية واقتصادية واجتماعية».. فالشارع المصرى عاش ولا يزال يعايش أسوأ مشاهد التدهور الأمنى ما بين حوادث السطو المسلح على الأشخاص والمنازل والمحال التجارية والسيارات والفنادق والبنوك وشركات الصرافة فضلا عن حوادث السيارات نتيجة لغياب الأمن المرورى، والحال ليس بأفضل فى أقسام الشرطة التى أصبح العاملون بها رقما فى المعادلة تارة بالتراخى وأخرى بالتظاهر وإغلاق أبواب هذه الأقسام فى بعض الأوقات إما طلبا لحقوق مادية ووظيفية وإما للاحتجاج على الهجوم المتكرر عليهم من قبل المتظاهرين الغاضبين الذين يرون بدورهم أن الداخلية ما زالت كما هى دون تغيير، فالتعذيب ما زال مستمرا خلف أسوارها، والحبس العشوائى واستهداف النشطاء وتلفيق التهم ممارسات لم تنقطع عن الساحة السياسية.
ما حدث جعل الجالسين على مقعد وزير الداخلية منذ إطاحة الثورة بوزير داخلية مبارك اللواء حبيب العادلى فى موضع اتهام مستمر تارة بالتستر على حالة الفراغ الأمنى التى يعانى منها الشارع، وأخرى بعدم تحقيق تطهير الجهاز الأمنى وثالثة بالتعامل العنيف مع المظاهرات وانتهاج نفس ممارسات النظام المخلوع.
تولى المجلس العسكرى مسؤولية الملف الأمنى منذ انسحاب الشرطة من الشوارع يوم 28 يناير، أمر جعل قياداته أيضا فى موضع اتهام بالتورط فى أحداث واشتباكات ما بين «محمد محمود» و«ماسبيرو» و«مجلس الوزراء»، ما دفع نشطاء إلى المطالبة بمحاكمة قادة «العسكرى» إبان تلك الأحداث.
التعهد بحل المشكلة الأمنية كان قاسما مشتركا فى البرامج الدعائية لـ13 مرشحا خاضوا أول انتخابات رئاسية بعد ثورة يناير، ومع تولى مرشح جماعة الإخوان المسلمين الدكتور محمد مرسى منصب الرئاسة كأول رئيس «مدنى» منتخب للبلاد، ترقب الجميع رؤيته لحل الملف الأمنى، وتطهير الجهاز الأمنى الذى لم يشهد سوى تغيير شكلى تحت حكم المجلس العسكرى حينما تحول جهاز «أمن الدولة» إلى جهاز «الأمن الوطنى»، إلا أن ما حدث كان معاكسا للآمال والتوقعات، فالمشهد الأمنى ازداد تعقيدا، وأفراده تحولوا إلى جزء من مشاهد المظاهرات اليومية، فتظاهر الضباط من أصحاب اللحى للمطالبة بإعادتهم لعملهم، وأمناء الشرطة تظاهروا للمطالبة بتحسين الأجور.
بمرور الأيام والشهور بدا أن النظام الحالى يفتقد رؤية حقيقية لمواجهة هذا الملف، وأنه يتجه إلى انتهاج نفس ممارسات النظام السابق فى استخدام الأجهزة الأمنية لقمع معارضيه، لتعود مشاهد الخطف والتعذيب والسحل والقتل، وتوازى مع ذلك استمرار المحاكمات الهزلية للمتهمين فى قضايا قتل المتظاهرين، وسط إدراك من الجميع بأن الجهاز الأمنى قام بطمس كل الأدلة التى كان يمكن لها أن تدين هؤلاء المتهمين وتعيد لشهداء الثورة ومصابيها حقوقهم القانونية، ليصل ارتباك الإرادة السياسية فى التعامل مع الملف إلى توقف كامل وجزئى للشرطة فى محافظات ومدن بأكملها وبينها بورسعيد والإسماعيلية والإسكندرية والدقهلية والغربية، فضلا عن القاهرة التى لم تهدأ تقريبا طوال الشهور الماضية واتسعت دائرة الاشتباكات ما بين التحرير والاتحادية وقصر النيل والمقطم.
المشاهد السابقة تجعل الملف الأمنى أكثر القضايا المعقدة المطروحة على ساحة الأوضاع فى مصر، خاصة فى ظل انعكاسه المباشر على الأوضاع الاقتصادية للمصريين الذين يمرون فى الأساس بتدهور شديد فى أحوالهم المعيشية، فالتدهور الأمنى يلقى بظلاله على الصناعة والتجارة والاستثمار والسياحة، ومعارضو الرئيس الحالى محمد مرسى وجماعة الإخوان المسلمين يقولون إن مرسى لم يفعل سوى أن تسلم «العصا الأمنية» من النظام السابق وعاد ليحاول استخدامها ضد معارضيه.. تماما كما كان يفعل مبارك.

0 التعليقات
إرسال تعليق